التحوّل من كاتب إلى ناشر:

من ومتى وكيف؟

شخصيًّا أؤمن بأن كلّ كاتب قد بدأ مشواره في عالم الكتابة دون تأكّده من إمكانية الاستمرار أو الانسحاب. فالكتابة تعبير عن خواطر وأفكار وخوالج وتجارب، ربما تصل إلى المتلقّي وربما تتوه في زحمة ما يُقدّم إليه طوال الوقت.

ومن حاول مرارًا ووجد طريقه الخاص واستمر، فلا بد أنه تطلّع إلى الارتفاع والارتقاء بمستوى ما يكتب وما يقدّم، فاستثمر في القراءة وحضور ورش العمل التي تفتح عينيه على آفاق جديدة، وكذلك مناقشة الزملاء و”الاستماع” إلى النصائح والأخذ بما يناسبه منها. وهذه كلّها وسائل تساعد على التقدّم والاستمرار وعدم الاكتفاء بما يحتويه إناء معلوماتنا وذكرياتنا.

في طريق كلّ كاتب مفترقات طرق صغيرة، وخلال رحلته عليه اختيار الأفضل منها دارسًا إمكانياته والتوقيت الصحيح، بناءً على تجاربه السّابقة ومخطّطاته القادمة، وما يستطيع تحمّله من أعباء.

ومن هنا يأتي السّؤال: متى يصبح الكاتب مستعدًّا لدخول عالم النشر، ولماذا؟

ليس على كلّ كاتب الدخول في متاهات عالم النشر وتفرّعاته، وإلاّ خسرنا الكثير من عالم الكتابة وأضفنا فائضًا إلى عالم النشر.

والأفضل للكاتب أن يبقى معزّزًا مكرّمًا من مختلف دور النشر التي يتعامل معها، أن يجرّب هنا وهناك، وأن يتفرّغ تمامًا للتأليف والقراءة وحضور المعارض.

ولكن يبقى الهاجس لدى الكاتب عامّة والتساؤل الذي يؤرقه دائمًا، وماذا بعد؟ إلى أين سأصل في كتابتي؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال أو الخوض في مسألة الهاجس، أعتقد أن على الكاتب التحضير مسبقًا لما سيأتي، ربما تلقائيًا أو ربما عبر التخطيط لفترة طويلة نوعا ما.

وأذكر هنا بعض النقاط التي قد تساعد الكاتب لاحقًا خلال عملية التحوّل، إن كان ذلك ضمن أحلامه القريبة أو البعيدة:

1) بناء قاعدة من القرّاء المخلصين، وكسب ثقتهم عبر تقديم محتوى جديد ومناسب يصل قلوبهم وعقولهم.

2) العمل مع دور نشر مختلفة، حيث أن لكلّ دار نشر أسلوبها في العمل والمتابعة والتسويق، وهذا يمنح الكاتب التصوّر الأوسع لما يريده لاحقًا.

3) حضور المعارض بكثافة، والتعرّف إلى الإصدارات الجديدة وطرق الانتاج المختلفة، من الأحجام العديدة إلى نوعية الورق والخط والطباعة.

4) البحث في الانترنت عن كتب تقع ضمن اهتماماته وضمن المواضيع التي يريد طرحها، للتأكد من عدم تكرار أسلوب الطرح.

5) التواصل وبناء علاقات عامة متينة وعلى أسس من الثقة والتعاون مع كتّاب آخرين وعارضين وأصحاب دور نشر، وكذلك أصحاب مكتبات وموزعين.

6) القدرة المادية المعقولة للبدء بمشروع سوف تطول فترة الاكتساب منه.

7) تحديد الغاية من التحوّل إلى ناشر، لغاية مادية أم معنوية أم مجرد تجربة؟

عندما يضع الكاتب هذه النقاط نصب عينيه فإنه سيكتشف جهوزيّته للتحوّل من كاتب إلى ناشر من عدمها، وطبعا مجدّدًا أكرر “إن كان ذلك ضمن أحلامه القريبة أو البعيدة”.

مسألة الرّغبة أو التحوّل تحتاج وقتًا طويلًا لتتبلور، وهذا الوقت هاّم جدًّا للتأكّد من الأرضيّة التي على أساسها سوف يبني الكاتب جدران دار النشر.

وكتجربة أولى، وقبل البدء بإنشاء دار نشر والخوض في متاهاتها المتعدّدة، أنصح بتجربة النّشر الذاتي حتى يتعلّم الكاتب أساسيّات النشر واحتياجاته والسوق المناسب لكتبه، ولتطوير نظرته نحو التكامل بين الرّسم والنّص، حيث أنّ الرّسم هو جزء هام جدًّا من عملية نجاح الكتاب.

والنّشر الذاتي يعطي الكاتب الفكرة العامّة للنشر، من حيث الخطوات والتّصاريح والمبيع وعمليّة الشحن وغيرها. ومن بعدها يمكن اتّخاذ القرار المناسب لللاستمرار في بناء حلمه أم الانسحاب.

وتوضيحًا، فإنّ عملية التحوّل من كاتب إلى ناشر سوف تأخذ الكثير من وقت وطاقة الكاتب، فيلاحظ قلّة إنتاجه الكتابي وتركيزه أكثر على إنتاج كتب تليق بما خطّط له. فنصيحتي هي تحضير بعض النّصوص القويّة والمكتوبة بعناية، والتي سيبدأ بها عمليّة النشر، وإنشاء دائرة من المحرّرين الذين يستطيعون مساعدته في تطوير نصّه وإعطائه الملاحظات. وكذلك الاطّلاع على نصوص من كتّاب آخرين يمكن أن تدخل ضمن خطّة إنتاجه.

في السنوات الأخيرة، أصبحت عملية إنشاء دار نشر في دولة الإمارات متاحة وبسهولة ويسر بواسطة المنطقة الحرة لمدينة الشارقة للنشر، ويمكن الحصول على الرخصة والبدء في التخطيط خلال أيام معدودة. وكذلك عملية الاستحصال على أذونات الطّباعة والنشر ولاحقًا التّداول. ولكنّ من المهمّ التّخطيط المسبق والرؤية الواضحة التي ستجعل من عمليّة اختيار الاسم والهويّة المناسبة لدار النّشر أكثر سهولة. وموضوع الهوية الخاصّة بالدار هو من أصعب خطوات التخطيط، حيث أن الاسم والشعار والصورة المقدمة عبر قنوات التّواصل الاجتماعي سوف تعزّز مكانة الدار لدى القرّاء والموزّعين، وهي ما يعلق بداية في الأذهان.

وأنصح أيضًا بالإبقاء على الكتابة والنّشر مع دور نشر عريقة وعدم الاكتفاء بحصر النشر في الدار فقط.

ولنجاح دار النشر، على الكاتب تقديم ما يرغب أن تقدمّه له أيّ دار نشر تعامل معها سابقًا، من إنتاج مميّز وانتشار واسع ونصوص جديدة وطباعة يفخر بها.

وأخيرًا، أتمنّى التّوفيق للجميع، كما أتّمنى التحضير جيدًا قبل التفكير بعملية التحوّل من كاتب إلى ناشر.

سحر نجا محفوظ

كاتبة قصص أطفال وناشئة

مدير دار قصص كيوي للنشر والتوزيع

Kiwi Stories Logo

Kiwi Stories Publishing

+971 50 862 6012
sales@kiwistories.co

WhatsApp Instagram
© Kiwi Stories. Designed by Aleph IT.